الأربعاء، 29 أغسطس 2018

المتفوقان؛ المذياع والمانيكان



على مدى ثلاث تجارب أداء (بروڤات) لحفل خريجي التطبيقي المتفوقين -حضرت اثنتين منها ومنعني عن الثالثة ظرْفٌ خاص، كان المطلوب منا تحديداً التالي:

-جلوس كل منا على مقعده المخصص.

-الانتقال عند إشارة المنظمين من المقاعد إلى الصف الجانبي انتظاراً لسماع إسم الخريج المتفوق للصعود للمسرح.

-التحول لدمى الأزياء (مانيكانات)! بصعودنا على مدرج وضع على المسرح.

قيل لنا أن سمو الأمير راعي الحفل سيصعد بمعية الإدارة لالتقاط صورة جماعية مع الخريجين، عوضاً عن ما اعتادت عليه حفلات التكريم من التشرف بمصافحة سموه والتقاط صورة خاصة معه! بالطبع سنشكل باصطفافنا المتدرج المرتب خلفيةً رائعةً للصورة.

سئلنا: من منكم يريد أن يتلو خطاب المتفوقين؟ كنت ضمن الراغبين للتحول من بشر إلى مذاييع. فأنا المذياع الذي تلا خطاب المتفوقين في العام قبل الماضي. مزهواً بخبرتي، وإحساسي الصادق ما فتأ يزيح ستار الوهم مؤكداً بأن حفلاً كهذا لن يستخدموا فيه مذياعاً ذو شارب! فما بالك بذي شارب متصل بالذقن؟!

فشلت هذه المرة في أن أكون مذياعاً، لكني لن أفشل في تقمص دور المانيكان. أثناء الحفل، بثقة القانط لولوج سقر، جلست على مقعدي، أرمي سهام نقدي لأداء المخاطِب، أصطف في الصف انتظاراً لسماع اسمي وظهور صورتي على شاشة المسرح، أقف كأفضل مانيكان في المنتصف برداء التخرج الثالث الذي ارتديه وانا في ربيعي الرابع والثلاثين الذي يوشك على الانتهاء، ارتديت الرداء الثاني في حفل التخرج من ثانوية عبدالله الجابر الصباح للبنين - مقررات، وبين الثامنة عشر والرابعة والثلاثين تكمن تسعٌ عجاف في تخصص العمارة في كلية الهندسة بجامعة الكويت! فجأة يرجعني تصفيق سمو الأمير للإنسان الذي كنت عليه، شعرت حينها بأن تخرجي له قيمة عبّرتا عنها يدا الرجل الأول في الدولة لتقولا لنا: "هذول عيالي"، بابتسامته كوالد فخور بأبنائه رسم على وجهي أعرض ابتسامة كنت اتجنبها حتى لا تفضح تصادم أربعة من أسناني الأمامية، سنّان في كل فك، حتى يعودا صحيحين فإن الدكتور مشعان المشعان وزمرته في العيادة مضطرون لتحريك كل سن وقاطع وضرس!

صعد سموه المسرح برفقة الوزير والمدير والعمداء، ولمعت فلاشات الكاميرات من كل صوب أمامنا لتوثق اللحظة، المحتفى بهم في الخلف والإدارة وراعي الحفل في الأمام، لكن ذاكرتي ستختزن الصورة التي أرى فيها رؤوس زملائي وزميلاتي من الخلف مغبّشة، وفي منتصفها بكل نقاوة يجلس سمو الأمير مبتسماً مصفقاً، فيما الوضوح على ما حوله من وزراء وشيوخ ونواب ومستشارين ومدعوين يتلاشى.