السبت، 9 أغسطس 2014

تأمّلات..

"الإجابة عن سؤال (لماذا أعيش؟) الذي طرحه طفلي عندما كان في الخامسة، لم تكن سهلة، ولم أستطع الرد إلا بعد أسابيع من التأمل، بعدها قلت: لكي تجعل العالم مكاناً أفضل مما كان عليه قبل أن تولد."


دانا زوهار
كاتبة وفيلسوفة أمريكية طرحت فكرة الذكاء الروحي -الـ"SQ"-

تذكّرت الفقرة السابقة من موضوع "اتجاهات تربوية ... الذكاء الروحي" للكاتبة الدكتورة أمينة التيتون* في مجلة العربي** حين استمعتُ لحوار صديق فسّر الوجود وفق الفلسفة المادية التي تعتمد على الملموس دون الماورائي في التفكير وبلوغ النتائج. إذ يرى العلم ديناً جديد، وذكر مقولة الفيلسوف نيتزچَ الشهيرة بخصوص الإله. ولا شك أن نتائج هذا التفسير على الأخلاق كارثية، إذ أن النظرة المادية تنفيها -إلا ما ارتبط منها بالنفعية الاقتصادية- طالما أن النظام والتنظيم مفقودين.

لكن -وهذا الجانب الساخر- أن المجتمعات المادية تنحى نحو النظام والتنظيم في جميع جوانب الحياة، إلا الروحي منها، بل ولا تخشى ممارسة العنف للإبقاء عليهما -أي النظام والتنظيم- وإن أدى إلى عنف أكبر، وتحتج بالحقائق العلمية الكونية، التي تؤكد نظامية العالم وترابطية قوانينه الطبيعية وسننه الكونية. بالإضافة إلى احتجاجها بالإرادة التوافقية التي لولاها لما بلغت ما بلغته، وهي إرادة نسبية يغيّرها الزمن، وتتطلب تغييراً مستمراً في شكل النظام وإسلوب التنظيم. وبالتالي، إن جاء فرد بغير الإرادة التوافقية، أو مجموعة أفراد، أو ربما أغلبيتهم، لقامت قيامة المادية عليهم بالقتل تارة وبالتشريد أخرى!.

والعلم، أداة المادية، وروحها إن صدق التعبير، يقول أن جزء الكوانتوم -أي شريط الطاقة- وهو أصغر جزء في البروتون أو النيوترون أو الألكترون، إذا أُزيح قليلاً عن قرينه، أو موضعه، لسقط كل شيء على أدمغتنا أثناء سقوطنا وتحللنا، كل ذلك في لحظة! فكيف تفسّر المادية هذا التوازن العجيب دون أن تقر بوجود الذات العاقلة؟ هذه الذات التي صممت كل قوانين الطبيعة، والتي جهلها أسلافنا لقرون، لا بد أن تبعث لنا من يعرّفنا عليها وعلى قوانينها. وإذ يستحيل أن لا تقبل العقول وجود نظام وتنظيم يؤشّران للذات العاقلة، يستحيل كذلك إقرارها باعتباطية الوجود والميلاد والموت، فطالما هناك نظام وتنظيم وضعتهما ذات عاقلة، وصممت قوانينهما، وجب أن يكون هناك حساب وجزاء وعقاب. والموت ليس عقاباً ولا جزاءاً، لأن التجارب الإنسانية تكفي لإثبات الموت حقيقة مستقرة ستمس جميع البشر، أخيارهم وأشرارهم، مصلحيهم ومفسديهم. فلا بد إذن من البعث بعد الموت، ولكي يتم محاسبة الناس هناك لا بد من وجود رسالات ورسل وبالتالي إله خالق مُقَدّر باقي آزلي.

وإن لم تصل بالتفكير المادي لهذه النتيجة أرجو أن لا تحتج يا صديقي بإثنتين، لا بالكهرباء، ولا بعقلك، لأنه من المستحيل أن تراهما، ومن المستحيل أن أنفيهما، وتلكما عبرة لمن أراد أن يعتبر، وكثيرٌ عقلَه يَعْبُدُ وهو لا يراه!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د.أمينة التيتون، آكاديمية من البحرين
** مجلة العربي، عدد ٦٦٩ أغسطس ٢٠١٤، صفحة ١٧٠-١٧٣